top of page

كيف تتوقف عن إطلاق الأحكام (وتبدأ بالازدهار)

إنَّ حكمك على أمرٍ ما أو شخصٍ ما في هذه اللحظة بأنَّه جيِّدٌ أو سيِّءٌ، أو أيَّ شيء بينهما هو وليدٌ تجربةٍ سابقة. هذا يمكن أن يكون صعباً لأنَّ التجارب ليست هي نفسها أبداً، على الرغم من وجود بعض أوجه التشابه.

على سبيل المثال، إذا مررت اليوم بوضعٍ مطابقٍ تماماً لما مررت به منذ عامين، ماهو مختلفٌ اليوم هو أنت. الحقيقة هي: أنَّ مرورك بنفس التجربة قبل عامين يجعلها مختلفة، لأنَّك قبل عامين كنت تختبر ذلك للمرَّة الأولى، أمَّا اليوم فإنَّ الحال ليست كذلك. إنَّ الزَّمن قد اختلف وإنَّ شيئاً ما فيك قد تغيَّر منذ ذلك الحين.

عندما تطلق الأحكام فإنَّ رؤيتك للوضع أو الشخص تكون متأثِّرةً بتجارب سابقة. إنَّ ذلك ناتجٌ عن طبيعة رد الفعل، ويمكن أن يكون مضللاً.

لتحقيق أقصى الاستفادة من التجارب والعلاقات، فإنَّ لديك البديل: التبصر.

اليوم، أكثر من أيِّ وقتٍ مضى، أنت بحاجةٍ إلى أن تتصرف بشكلٍ هادفٍ ومقصود، مستخدماً تفكيرك الخلَّاق وقدرتك على التمييز لترتقي إلى مستوى التحدِّيات المتزايدة التي تضعها الحياة في طريقك.

 

عندما تتبصرالأمورفإنَّك تصغي جيِّداً وتراقب جيِّداً،وتتعرَّف على الأنماط وتقيِّم الأوضاع، وتكون قادراً على أن تحدِّد خيارات مساراتٍ متعددة، وفي النهاية تختار واحداً يقدِّم الأفضل لك. أنت لم تعد في وضعية رد الفعل. لديك ما يكفي من الوضوح والثبات الداخلي لكي تختار بحكمةٍ وفعاليِّة.

 

إليك عملية بسيطة لتجسر الهُوَّة ما بين إطلاق الأحكام والتبصر،(الخطوة #2  يمكن أن تُستخدم بناءً على تعقيدات الوضع):


1. قم بتصفية أفكارك

إنَّ الصوت الذي في رأسك لا يخبرك دائماً بالحقيقة. من أجل مصلحتك، لا تصدِّق كلَّ ما يقوله لك. قم بالتمييز ما بين:

  • الحقائق : ما يحدث بالفعل

  • رؤيتك لهذه الحقائق

فهذان ليسا نفس الشيئ!

     

مثال: سائقٌ يقطع الطريق على آخر(حقيقة)، ذلك الشخص يقرأ هذا الأمر على أنَّه إهانة (تصُّور للحقيقة) ويردُّ إمَّا بزيادة السرعة أوالتَّتبع الخَطِر.


2. استقاء المعلومات

ربما تشعر الآن، وبما هو متوفرٌ لك من الحقائق، أنَّك لا تعرف بما يكفي، وتقرِّرأن تجمع المعلومات. تذكَّرأنَّه عندما تطلب المعلومات والآراء، أن تستكشف تلك التي تكون مختلفةً عمَّا لديك. أجل، إنَّه شعورٌ جيِّدٌ عندما يصادق الآخرون على أفكارك، لكن هذا لا يضيف إليك الكثير. إنَّ هذا لا يساعدك على استكشاف الزوايا المختلفة، أو يقدِّم لك منظوراً جديداً. عندما تطرح أسئلتك بدافعٍ من فضولٍ حقيقي ورغبةٍ للفهم، اصغِ جيِّداً إلى الأجوبة. إنَّ الإصغاء فنٌ، وهو يتطلب قلباً مفتوحاً وعقلاً منفتحاً، علاوةً على الاستعداد لأن تكون ذو قابليَّةٍ للتأثر.

مثال: لتحثَّ الآخرين على التحدث، اطرح أسئلةً بسيطةً وقصيرةً ومفتوحةً. إنَّه أمرٌ مهمٌ ألَّا يغيب عنَّا: أن نسأل بطريقةٍ فضولية وذات قابليَّةٍ للتأثر. وإلَّا ربما يشعر الناس بأنَّه يتم التلاعب بهم. إليك بعض الأمثلة:

  • ماهي أفكارك حول هذا؟      

  • ما هو الشَّيء المهم بالنسبة لك هنا؟      

  • ما هي الطريقة الأمثل لفعل ذلك؟    

  • ماذا تقصد بالضبط؟

  • كيف يمكننا أن نفعل ذلك؟  

3. حدِّد أولويتك

اسأل نفسك الآتي:

  • ماهو الأكثر أهمِّيةً الآن؟ 

  • هل سيكون لهذا أهمِّيةً بعد أسبوعٍ من الآن؟ أم بعد شهرٍ؟ أم بعد سنة؟        

  • ما هي أولويتي هنا؟

مثال: هذه قصةٌ من كتاب "الموقف هو كل شيء" لكيث هاريل. لاحظ أولوية كيث وكيف قرَّر أن يوجِّبها:

" لقد استيقظت وشعرت أنَّني سأتأخر. كان عليَّ الذهاب إلى المطار لألحق بالطائرة. كنت أقود بسرعة خمسةٍ وسبعين إلى ثمانين ميلاً في الساعة إلى مطار هارتسفيلد الدوليِّ. هرعت إلى مكتب التذاكر وأخبرت الموظَّف هناك بأنَّني متأخِّر" أسرع! عليَّ أن ألحق بالطائرة المغادرة إلى سان فرانسيسكو. قل لي رقم البوابة."

" أنت ستغادر من صالة الركاب د. بقي لديك خمس عشر دقيقة،" قال لي." لا أظن بأنَّك ستلحق بها."

لن ألحق بها ما دمت أنا هنا أتحدَّث إليك، لذا هل تتفضَّل بإعطائي تذكرتي! انتزعت التذكرة منه وبدأت بالركض. لقد عبرت الأمن. في مطار أتلانتا، هناك قطارٌ يجب أن تستقلَّه للوصول إلى صالة الركَّاب. كنت أجري بسرعةٍ كبيرةٍ لدرجة أنَّني لم أحتج أن أستقلَّ القطار. لم أكن أركض فقط، بل كنت أكلِّم نفسي أيضاً. هيَّا، يجب عليك أن تسافر. لا يمكنك أن تفِّوت الرحلة. يجب عليك أن تصل إلى هناك. كنت في حركة مستمرة. صعدت السلم الكهربائي ولم أتوقف أبداً عن الركض. صوتٌ من داخلي قال لي: يا فتى! لياقتك ليست على ما يرام. إنَّه من الأفضل لك أن تبدأ بممارسة الرياضة.

عندما اقتربت أخيراً من البوَّابة، لاحظت أنَّ الطائرة لا تزال هناك. كان عند البوَّابة موظَّفة من الخطوط الجوية.

" عذراً، سيدتي،" قلت." لقد ركضت كلَّ تلك المسافة من مكتب التذاكر. هل تمكنت من اللحاق بالطائرة؟"

" لقد تلقينا للتَّو اتصالاً هاتفياً. ستتأخر الطائرة عن الإقلاع ساعتين."

نظرت إليها وقلت:" لابأس في ذلك. أنا إيجابيٌّ ومبادر." ردَّت عليَّ:" لا أهتم بما تقوله عن نفسك. نحن لن نغادر قبل ساعتين."

بينما بدأت بالابتعاد، لمحت رجلاً قادماً من خلفي يقترب من طاولة الموظَّفة. يبدو عليه أنَّه مسؤول على درجةٍ رفيعة. قال: "عفواً، سيدتي. هل ستغادر الطائرة في موعدها؟" أخبرته موظفة الخطوط الجوية أنَّ لديهم مشاكل ميكانيكية، وأنَّ الطائرة ستغادر بعد ساعتين.

 لقد استشاط غضباً. "مشاكل ميكانيكية!" هل تعرفين مع من تتحدثين؟ أنا عندي مليون ميل طيران، عضو في نادي " العقيد الطائر". أنا أعرف الرئيس التنفيذي شخصياً. أريد أن أتكلَّم مع المسؤول عنك الآن في الحال."

ظهرت مديرةٌ بسترةٍ حمراء أنيقة. ظلَّ هذا الرجل يتجادل معها لمدَّة خمسٍ وثلاثين دقيقة.

هل بإمكانك أن تتوقع متى غادرت الطائرة؟

بعد ساعتين.

فكَّرت في الأشياء الإيجابية التي يمكنني القيام بها. كيف يمكنني أن أعيد صياغة هذا الوضع؟ ذهبت واشتريت شيئاً ما للأكل: شطيرةً من الدجاج المشوي وعصير برتقال من الحجم الكبير. ذهبت إلى المكتبة واشتريت كتاب: " الحماس يصنع الفارق" لنورمان ڤنسنت پيل. قرأت الفصل الأول وأنا في المطار. بعد ذلك قمت بشيءٍ خاصٍّ. أنا أؤمن بأنَّه في كلِّ مرَّةٍ تمرُّ بها في ظرفٍ ما، فإنَّه يجب عليك دائماً أن تغوص في داخلك لتتلمس الأشياء الصغيرة التي يمكنك القيام بها لتجلب السعادة إلى حياتك. أنا أحب الفشار. في أيَّةِ مرَّةٍ تراني فيها في المطار، ستجدني دائماً أبحث عن الفشار. ذهبت واشتريت علبةً من الفشار. بعد ذلك قمت بأمرٍخاصٍّ جداً. اتَّصلت بجدَّتي. قبل أن تتوفَّى جدَّتي، كانت هي الشخص الذي أتَّصل به كلَّما احتجت أحداً لأفضفض له. بعد محادثةٍ لمدَّة خمس عشر دقيقةٍ معها في ذلك اليوم، نسيت مسألة تأخر الطائرة. حتَّى أنَّ هذا لم يعد مهماً.

كنت جالساً هناك، أتناول الفشار، وأتدبر أموري الخاصَّة. نظر إليَّ الرَّجل الجالس بقربي وسألني،" لماذا أنت سعيدٌ جداً؟ ألا تعلم بأنَّنا هنا منذ ساعةٍ ونصف الساعة؟ وأنَّه يجب علينا الانتظار ثلاثين دقيقةٍ أخرى لنغادر؟

 أجبته:" إنَّ لديَّ الخيار وقد اخترت أن أكون إيجابياً."

قال:" إيجابياً حول ماذا؟"

نظرت إليه وقلت: "دعني أذكر لك ثلاثة أسباب. هذه الرحلة قد تأخرت إمَّا لعطلٍ في الطائرة، أو لسوءٍ في الطقس، أولمكروهٍ أصاب قائد الرحلة. في حالة أنَّ أيَّاً من هذه الفرضيات الثلاث كان صحيحاً، فإنَّني سعيدٌ بأن أكون جالساً هنا، أتحدَّث إليك. إنَّني أفضِّل أن أكون هنا متمنياً لو أنَّني في الجو هناك، على أن أكون في الجو هناك متمنياً لو أنَّني هنا."

نظر إليَّ وابتسم، ثمَّ قال: " أفحمتني، هل لي أن أشاركك بعضاً من الفشار؟"

4. الانخراط أم عدم الانخراط 

الانتقال إلى التنفيذ هو مهارةٌ مهمة، وأحياناً فإنَّ التَّخلي عن عمل شيء ما تجاه موضوع معيَّن له ذات الأهميَّة كمهارة. فقط عندما يخدم الفعلُ هدفاً واضحاً، فإنَّه يمكن أن يؤدي إلى نتيجةٍ مرجوَّة. بدون ذلك الوضوح، فإنَّ الأفعال تصبح ردود أفعالٍ عشوائيَّةٍ بعواقبَ غير مرغوبٍ بها.

مثال: تمعَّن في خيار المسؤول الغاضب مع موظَّفة الخطوط الجويَّة في القصَّة الواردة أعلاه ( انخراط/ جدال)، مقارنة بخيار كيث هاريل ( عدم الانخراط/ التسليم):

المسؤول الغاضب:

الأولوية  : الصعود إلى الطائرة في موعده

الفعل  : الجدال

النتيجة  : الطائرة غادرت متأخرة ساعتين. إحباط.

 

كيث هاريل:

الأولوية   : الصعود إلى الطائرة ـ الإيجابية ـ السرور ـ المبادرة ـ الفشار

الفعل  : إيجاد أشياء صغيرة تجلب له السرور.

النتيجة : قضاءُ وقتٍ ممتع وقصَّةٌ مثيرة ليرويها.

تخيَّل تنمية عضلة التبصر هذه بطريقةٍ تحررك، ليس فقط من أحكامك الخاصَّة، بل أيضاً من أيِّ وضعٍ أوأيَّة علاقةٍ: إنَّ حريتك تنطلق من الداخل إلى الخارج، لأنَّ عقلك حرٌّ في فرز الأصوات، واستيعابِ المعلومات الجديدة، مركِّزاً على ما هو مهم، ويختار الفعل أو التخلِّي عنه أو التسليم.

إنَّ الحكمَ على الأمور هو من نتاج الأنا

بينما التبصر فيها هو من عمل الحكماء

 

 

bottom of page